فصل: تفسير الآيات (188- 189):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (188- 189):

{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)}
{وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} الآية.
قال ابن حيان وابن السايب: نزلت هذه في أمرؤ القيس بن عابس الكندي وفي عبدان بن أشرح الحضرمي، وذلك إنهما إختصما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في أرض فأراد أمرؤ القيس أن يحلف فأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله} [آل عمران: 77] فقرأها النبيّ صلى الله عليه وسلم فأبى أن يحلف وحكم عبدان في أرضه ولا يخاصمه.
فقرأها النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان أمرؤ القيس المطلوب وعبدان الطالب فأنزل الله عزّ وجلّ {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} الآية أيّ لا يأكل بعضكم مال بعض، {بالباطل} أي من غير الوجه الذي أباحه الله تعالى له، وأصل الباطل الشيء الذاهب الزائل يقال: بطل يبطل بطولاً وبطلاناً إذا ذهب.
{وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الحكام} أي تلقون أمور تلك الأموال بينكم وبين أربابها إلى الحكام، وأصل الادلاء إرسال الدلو وإلقاءه في البئر، يقال أدلى دلوه إذا أرسلها.
قال الله تعالى {فأدلى دَلْوَهُ} [يوسف: 19] ودلاها إذا أخرجها ثمّ جعل كل إلقاء قول أو فعل إدلاء، ومنه قيل للمحتج بدعواه: أدلى بحجته إذا كانت سبباً له يتعلق به في خصومته كتعلق المسقي بدلو قد أرسلها هو سبب وصوله إلى الماء، ويقال: أدلى فلان إلى فلان إذا تناول منه وأنشد يعقوب:
فقد جعلت إذا حاجة عرضت ** بباب دارك أدلوها أيا قوم

ومنه يقال أيضاً: دلا ركابه يدلوها إذا ساقها سوقاً رفقاً قال الراجز:
يا ذا الذي يدلوا المطيّ دلوا ** ويمنع العين الرقادا المرا

واختلف النحاة في محل قوله: {وَتُدْلُواْ}.
فقال بعضهم: جزم بتكرير حرف النهي المعني ولا تأكلوا ولا تدلوا وكذلك هي في حرف أُبي بإثبات لا.
وقيل: وهو نصب على الصرف.
كقول الشاعر:
لا تنه عن خُلق وتأتي مثله ** عار عليك إذا فعلت عظيم

وقيل: نصب باضمارين الخفيّفة.
قال الأخفش: نصب على الجواب بالواو.
{لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ الناس بالإثم} بالباطل.
وقال المفضل: أصل الإثمّ التقصير في الأمر.
قال الأعشى:
جمالية تعتلي بالرّداف ** إذا كذب الاثمان الهجيرا

أي المقصرات يصف ناقته ثمّ جعل التقصير في أمر الله عزّ وجلّ والذنب إثماً.
{وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} إنكم مبطلون.
قال ابن عبّاس: هذا في الرجل يكون عليه مال وليس له فيه بينة فيجحد ويخاصمهم فيه إلى الحكام وهو يعرف ان الحق عليه ويعلم إنه آثمّ أكل حرام.
قال مجاهد: في هذه الآية لا يخاصم وليست ظالم.
الحسن: هو أن يكون على الرجل لصاحبه حق فإذا طالبه به دعاه إلى الحكام فيحلف له ويذهب بحقه.
الكلبي: هو أن يقيم شهادة الزور.
قتادة: لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم إنك ظالم فإن قضاءه لا يحل حرامه ومن قضى له بالباطل فإن خصومته لم ينقض حتّى يجمع الله عزّ وجلّ يوم القيامة بينه وبين خصيمه فيقضي بينهما بالحق.
وقال شريح: إني لأقضي لك، وإني لأظنك ظالماً، ولكن لا يسعني إلاّ أن أقضي بما يحضرني من البيّنة، وإن قضائي لا يحل لك حراماً.
محمّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار».
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة} نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن غنمة الانصاريين قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدوا دقيقاً مثل الخيط ثمّ يزيد حتّى يمتلئ ويستوي ثمّ لا يزال ينقص حتّى يعود كما بدأ لا يكون على حالة واحدة فأنزل الله تعالى {يَسْأَلُونَكَ} يا محمّد {عَنِ الأهلة} وهي جمع هلال مثل رداء وأردية واشتقاق الهلال من قولهم استهل الصبي إذا صرخ حين يولد.
وأهَل القوم بالحج والعمرة إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية.
قال الشاعر:
يهل بالفرقد ركبانها ** كما يهل الراكب المعتمر

فسمّي هلالاً لأنه حين يري يهل الناس بذكر الله ويذكره.
{قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ} وهو الزمان المحدود للشيء {لِلنَّاسِ والحج} أخبر الله عن الحكمة في زيادة القمر ونقصانه واختلاف أحواله، إعلم إنه فعل ذلك: ليعلم الناس أوقاتهم في حُجتهم وعمرتهم وحلّ ديونهم وَوعِدو حلفائهم وأجور أُجرائهم ومحيض الحائض ومدة الحامل ووقت الصوم والافطار وغير ذلك، فلذلك خالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة على حالة واحدة.
{وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا} قال المفسّرون: «كان الناس في الجاهلية وفي أوّل الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة لم يدخل حائطاً ولا بيتاً ولا داراً من بابه فإن كان من أهل المدن نقب نقباً في ظهر بيته منه يدخل ويخرج، أو يتخذ سلماً فيصعد منه وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يدخل من الباب ولا يخرج منه حتّى يحل من إحرامه، ويرون ذلك براً إلاّ أن يكون من الحمس وهم قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وجشم وبنو عامر بن صعصعة وبنو النضر بن معاوية، سمّوا حمساً لتشددهم في دينهم والحماسة والشدة والصلابة قالوا: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بيتاً لبعض الأنصار فدخل من الأنصار رجل يقال له زعامة بن أيوب، وقال الكلبي: قطبة بن عامر بن حذيفة أحد بني سلمة فدخل على أثره من الباب وهو محرم فأنكروا عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لِمَ دخلت من الباب وأنت محرّم؟
قال: رأيتك دخلت فدخلت على أثرك، فقال رسول الله: إنيَّ أحمس، قال الرجل: إن كنت أحمس: فإنّ أحمس ديننا واحد، رضيت بهديك وهمتك ودينك»
.
، فأنزل الله هذه الآية.
الزهري: «كان ناس من الأنصار إذا أهلّوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء ويتحرجون من ذلك وكان الرجل يخرج مهلاً بالعمرة فتبدوا له الحاجة بعد ما يخرج من بيته فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف الباب أن يحول بينه وبين السماء فيفتح الجدار من ثمّ يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فيخرج إليه من بيته، حتّى بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلَّ زمن الحديبية بالعمرة فدخل حجرة ودخل رجل على أثره من الأنصار من بني سلمة، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم لِمَ فعلت ذلك؟
قال: لأني رأيتك دخلت، فقال: لأني أحمس. [قال الزهري:] وكانت الحمس لا يبالون بذلك.
فقال الأنصاري: وأنا أحمس. يقول: وأنا على دينك فأنزل الله تعالى {وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا}»
.
قرأ حمزة الكسائي وعاصم في رواية أبي بكر ونافع برواية تأتوا البيوت بكسر الباء في جميع القرآن لمكان الياء. وقرأ الباقون: بالضم على الأصل.
{ولكن البر مَنِ اتقى} أيّ نرَّ من إتقى كقوله: {ولكن البر مَنْ آمَنَ بالله} وقد مرَّ ذكره {وَأْتُواْ البيوت مِنْ أَبْوَابِهَا} في حال الإحرام {واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

.تفسير الآيات (190- 193):

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)}
{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله} دين الله وطاعته {الذين يُقَاتِلُونَكُمْ}.
قال الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هذه أوّل آية نزلت في القتال فلما نزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من يقاتله ويكف عمن كفَّ عنه حتّى نزلت: {اقتلوا المشركين} فنسخت هذه الآية {وَلاَ تعتدوا} أي لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير ولا من أُلقي إليكم السلم وكف يده فإن فعلتم ذلك فقد اعتديتم وهو قول ابن عبّاس ومجاهد.
وقال يحيى بن عامر: كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن قوله: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تعتدوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين}. فكتب إليَّ: إن ذلك في النساء والذرية والرهبان ومن لم ينصب الحرب منهم.
وقال الحسن: لا يعتدوا أي لا تأتوا مانهيتم عنه.
وقال بعضهم: الاعتداء ترك قتالهم.
علقمة بن مرثد عن سليمان بن يزيد عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على سرية أو جيش أوصى في خاصة نفسه بتقوى الله وممن معه من المسلمين خيراً وقال: «إغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، إغزوا ولا تغلّوا ولا تعدروا ولا تقتلوا وليداً».
وعن عطاء بن أبي رباح قال: لما استعمل أبو بكر يزيد بن أبي سفيان على الشام خرج معه يشيعهُ أبو بكر ماشياً وهو راكب فقال له يزيد: يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال أبو بكر: ما أنت بنازل ولا أنا براكب إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله، إني أوصيّك وصية إن أَنت حفظتها ستمر على قوم قد حبسوا أنفسهم في الصوامع زعموا لله فزعهم وما حبسوا له أنفسهم، وستمر على قوم قد فحصوا عن أوساط رؤسهم وتركوا من شعورهم أمثال العصائب، فاضرب ما فحصوا منه بالسيف.
ثمّ قال: «لا تقتلوا إمرأة ولا صبياً ولا شيخاً فانياً ولا تعقروا شجراً مثمراً ولا تغرقوا نخلاً ولا تحرقوه ولا تذبحوا بقرة ولا شاة إلاّ لمأكل ولا تخربوا عامراً».
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في صلح الحديبية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج هو وأصحابه في العام الذي أرادوا فيه العمرة وكانوا ألفاً وأربعمائة فساروا حتّى نزلوا الحديبية فصدهم المشركون عن البيت الحرام فنحروا الهدي بالحديبية ثمّ صالحه المشركون على أن يرجع عامه ذلك على أن يخلى له بكل عام قابل ثلاثة أيام فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء، فصالحهم رسول الله ثمّ رجع من فوره ذلك إلى المدينة فلما كان العام المقبل تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لعمرة القضاء وخافوا أن لا يفي لهم قريش وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قتالهم في الشهر الحرام في الحرم فأنزل الله {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله} محرمين {الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ} يعني قريشاً {وَلاَ تعتدوا} ولا تظلموا فتبدؤا في الحرم بالقتال محرمين.
{إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين} ثمّ قال: {واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم} وجدتموهم وأصل يثقف بحذف والبصر بالأمر، يقال: رجل ثقف لقف إذا كان حاذقاً في الحرب بصيراً بمواضعها جيد الحذر فيه، فمعنى الآية: واقتلوهم حيث أبصرتم مقابلتهم وتمكنتم من قتلهم.
{وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} يعني مكّة {والفتنة} يعني الشرك {أَشَدُّ مِنَ القتل} يعني وشركهم بالله عزّ وجلّ أعظم من قتلكم إياهم في الحرم والحرم الإحرام، قاله عامّة المفسّرين.
وقال الكسائي: الفتنة هاهنا العذاب وكانوا يعذبون من أسلم.
{وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم}.
قرأ عيسى بن عمر وطلحة بن مصرف ويحيى بن رئاب والأعمش وحمزة والكسائي: {يُقَاتِلُوكُمْ} بغير ألف من القتل على معنى لا تقتلوا بعضهم.
تقول العرب: قتلنا بني فلان وإنّما قتلوا بعضهم، لفظه عام ومعناه خاص.
وقرأ الباقون: كلها بالألف من القتال، واختلفوا في حكم هذه الآيات.
فقال قوم: هي منسوخة ونهوا عن الابتداء بالقتال، ثمّ نسخ ذلك بقوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} هذا قول قتادة والربيع.
مقاتل بن حيان: {واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم} أي حيث أدركتم في الحل والحرم، لما نزلت هذه الآية نسخها قوله: {وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام} ثمّ نسختها آية السيف في براءة فهي ناسخة ومنسوخة.
وقال آخرون: هذه الآية محكمة ولا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم، وهو قول مجاهد وأكثر المفسرين.
{كَذَلِكَ جَزَآءُ الكافرين * فَإِنِ انتهوا} عن القتال والكفر {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} لما سلف {رَّحِيمٌ} بعباده، نظيرها في الأنفال {وَقَاتِلُوهُمْ} يعني المشركين {حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} شرك يعني قاتلوهم حتّى يسلموا فليس يقبل من المشرك الوثني جزية ولا يرضى منه إلاّ بالإسلام وليسوا كأهل الكتاب بالذين يؤخذ منهم الجزية والحكمة فيه على ما قال المفضل بن سلمة إن مع أهل الكتاب كتباً منزلة فيها الحقّ وإن كانوا قد حرفوها فأمهلهم الله تعالى بحرمة تلك الكتب من القتل واهواء صغارهم بالجزية، ولينظروا في كتبهم ويتدبرونها فيقفوا على الحق منها ويمنعوه كفعل مؤمني أهل الكتاب ولم يكن لأهل الأوثان من يرشدهم إلى الحقّ وكان إمهالهم زائداً في اشراكهم فإنّ الله تعالى لن يرضى منهم إلاّ بالإسلام أو القتل عليه.
{وَيَكُونَ الدين} الإسلام {للَّهِ} وحده فلا يعبد دونه شيء، قال المقداد بن الأسود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يبقى على ظهر الأرض بيت معد ولا وبر إلاّ أدخله الله عزّ وجلّ كلمة الإسلام، إما بعزّ عزيز أو بذل ذليل، إما أن يعزهم فيجعلهم الله من أهله فيعزوا به، وإما أن يذلهم فيدينون لها».
{فَإِنِ انتهوا} عن الكفر والقتال {فَلاَ عُدْوَانَ} فلا سبيل ولا حجة {إِلاَّ عَلَى الظالمين}.
قال ابن عباس: يدلّ عليه قوله عزّ وجلّ {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجلين قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القصص: 28] أي فلا سبيل عليَّ وقال أهل المعاني: العدوان الظلم، دليله قوله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان} [المائدة: 2] ولم يرد الله تعالى بهذا أمراً بالظلم أو إباحة له وإنما حمله على اللفظ الأوّل على ظهر المجادلة فسمى الجزاء على الفعل فعلاً كقوله تعالى: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: 40] وقوله: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ}.
وقال عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهلينا

قتادة وعكرمة: في هذه الآية، الظالم الذي يأبى أن يقول لا إله إلاّ الله، وإنّما سمي الكافر ظالماً، لوضعه العبادة في غير موضعها.